كم جميل من انسان مثلك أن يكتب ويتحدث بمنتهي الصراحة عن ذئاب العمل الباحثين عن فرائس، فنادرا ما أجد أي فرد يريد الخوض في هذا الموضوع الشائك أو لو ربنا كرمه يقول لك: العيب أكيد في الفتاة أو المرأة أكيد هي اللي بتشجع الشخص اللي قدامها مع أن العكس تماما فالشخص اللي قدامها في الغالب بيكون بجح وعينيه تندب فيها رصاصة أو دانة مدفع ومتشجع جاهز!
وقد مررت بتجربة نفس الصديقة الجميلة في الحكومة والقطاع الخاص علي السواء معا, فعندما توسطت لي أسرة صديقة عند أحد ذوي النفوذ والسلطة لتعييني وبعد أن بدأ الرجل يبدي لي حسن نواياه, انقلبت الأمور رأسا علي عقب ليرفض تعييني ويقول لي أنه سيقدم لي فرصة العمر بالزواج منه, ولكن زواجا عرفيا لأن شكله السياسي ووضعه الاجتماعي لا يسمحان له بزوجة ثانية تقارب أولاده في العمر مع العلم بأنه سيؤمن لي مستقبلي وسأظل زوجته لحين وفاته ولكن زوجة الظل العرفية.
وقررت التوجه للعمل في القطاع الخاص وما أدراك كم المهازل التي قابلتها, فهذا شخص يريدني للسفر معه للخارج, وآخر يريدني أتناول العشاء معه بصفة مستمرة وفي بعض الأحيان يكون ميعاد عملي من التاسعة صباحا وحتي الخامسة مساء فأجد من يحضر لي أوراقا لترجمتها أو ارسالها أو كتابتها لأنصرف في الثامنة أو التاسعة, كل هذا بالطبع بلا أجر اضافي لأني طبعا دماغي ناشفة وماشية صح ولك ان تتخيل عندما انصرف في التاسعة لأصل إلي بيتي في العاشرة والنصف أو الحادية عشرة, هل سيكون بمقدوري الاستيقاظ مبكرا في اليوم التالي للذهاب إلي مكان العمل الذي اصبح شبيها بمعتقل جوانتانامو ياللهول!! حقا مثلما قالها رحمة الله عليه المرحوم ـ بإذن الله ـ يوسف بك وهبي.
ولك أن تتخيل فهناك أشخاص عندما يعلمون أن تلك طبيعة شخصيتك لن تتغير يطردونك أو يتفنون بشتي الوسائل لتصيد الأخطاء لك أو يقرفوك ويزهقوك في حياتك لغاية ما تقول: حقي برقبتي وتمشي من نفسك وفي هذه الحالة لا يكون هناك أحد قطع خبزك أي عيشك, لأنهم فعلا ناس بتخاف ربنا, ومش بيحبوا يقطعوا عيش حد أو فراخه أو لحمته أو سلاطته وفي أحد الأماكن التي كانوا يتعمدون تأخيري في العمل قالت لي أمي: أخبريهم أنك لن تتأخري سواء بأجر اضافي أو بدون أجر وأي شيء ينتظر للغد, وعندما أخبرتهم بذلك هل تعلم ماذا رد علي الرجل: وهل تريدين مني العودة للجلوس في وجه البومة أم الأولاد.. كم هو شيء جميل الجلوس مع الوجه الصبوح؟!
وأظنك أكثر دراية مني باسطوانة: أنا مش باحب مراتي/ أنا مش مرتاح معها/ انا حاسس أني مجرد ممول لها وللأولاد/ أنا نفسي في حد يحبني لذاتي. ولأن الزمن قد علمني التمييز بين الصادق والكذاب, ففي أحد الأيام قررت التظاهر بالغباء وقلت للرجل: يعني حضرتك عاوز تتجوزني زوجة ثانية, انا موافقة هو أنا حاجيب زي حضرتك منين؟!!!!, طبعا عم الحاج عشان كذاب كبير وشه راح وجه مليون لون, ثم اكد لي: أني مكسب لأي رجل ولكنه لن يستطيع الزواج عليها فهي أم العيال وهي لن تقبل بضرة تشاركها فيه, وهو ما يحبش يكسر بخاطر العيال ويجيب لهم زوجة أب, ولكنه فقط يستطيع الزواج في حالة وفاتها, في الحالة دي يكون شكله مقبول!
وأنا هنا لا أشجع الزواج الثاني ولكني أتناقش معك بصوت عال.. هل يخشي الرجل علي صورته امام ناس معظمهم يتصفون بالكذب, فيريد ان يقولو عليه دمث الخلق له زوجة واحدة, بدلا من القول إنه رجل مزواج له زوجتان؟!!! ياللهول مرة أخري!
أنت يا سيدي الفاضل تتحدث عن فتاة تخرج للعمل لاثبات ذاتها, ولكن أين ستثبت ذاتها وفي أي مجتمع ومع من؟!!!! فهؤلاء الأشخاص لا يوفرون لك أي مناخ طيب لكي تحقق أي انجاز اجتماعي أو معنوي أو مادي فهم يقومون باستنزاف صحتك وأفكارك وابتكاراتك بلا مقابل يذكر أو مقابل زهيد لا يستحق أن تتحمل من أجله هذا الكم من الحقارة والبذاءة والسخافة!
كثيرا أذهب أبث شكواي إلي مكان قريب إلي بيتي وأظل ساعات طويلة أحملق في النهر الخالد وأحدثه وأبثه همومي وأحلامي فهو صديق مخلص مهما جلست إليه لن يخذلك أو يمل منك أو يدير لك ظهره مثل الأقارب الذين لا يظهرون إلا في العيد ورمضان ليسألوا سؤالين لا يتغيران: اتجوزتي؟ معقولة لسه؟!! ليه مع أنك زي القمر.. وعشان طبعا خايفين من أي مسئولية أدبية أو مادية تجاهي يلحقون ذلك بسؤال آخر: مبسوطة في شغلك؟؟ طبعا ولا أحد يدري أني هجرت عالم العمل منذ أكثر من ثلاث سنوات ولا أقول سوي: الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه.. وبالطبع لا يفكر أحد ولو من باب المجاملة أن يسألني أين تعملين ومع من؟ فهذا الأمر لا يهمهم مطلقا!
وأقول لصديقتي صاحبة رسالة هؤلاء الرجال: الحمد لله الذي عافاك من أن تكوني أنت وأمك وحيدتين في الدنيا فهناك ناس ينظرون للمرأة الوحيدة مهما كانت مؤدبة ومثقفة ومحتشمة أنها يمكنها أن تفعل ما يحلو ويروق لها بلا حساب, وكأنها بلا ضمير أو أخلاق, أو يتعين عليها فقط أن تخشي أباها أو زوجها أو أخاها ولا تخشي الله, مع أني أعرف كثيرات لهن آباء وأزواج وأخوة ويفعلن ما يحلو ويروق لهن وأحيانا بعلم الأب أو الأخ أو الزوج مادامت تغدق عليهم الأموال والهدايا.
هناك فتيات ونساء كثيرات وقعن في شباك وحبائل هؤلاء الذئاب معدومي الضمير وظروفهن المادية جيدة جدا وليس لهن أي أسباب للسقوط والانحراف, تحت مسميات مختلفة, مديرة أعمالي, ومديرة مكتبي, وسكرتيرتي الخاصة, ولكن للأسف لغياب الوازع الديني لديهن أو انعدامه أو غياب الرقابة تحت مسمي جملة بغيضة يقولها بعض الأمهات والأباء ألا وهي: احنا رمينا الأساس, متناسين أن البنت مهما كانت أنثي ضعيفة قلبها في أذنيها قد تصدق من يغني لها معسول الكلام خاصة إذا كانت الرقابة من البيت ضعيفة خصوصا تلك البيوتات التي تترك للبنت الحبل علي الغارب ظنا منهم أنهم أحسنوا التربية, حقا قد تكون الأسرة أحسنت تربية ابنتها ولكنها لم تربي المجتمع الخارجي المحيط بها, فلم ترب أصحاب الشركات والأعمال ومن يعملون تحت أيديهم فلقد اكتشفت أن لكل واحد فيهم مدير اعمال يداري علي كذبه وسقطاته وعثراته وذلاته.
لذا فعلي صغيرتي الجميلة ألا تحزن بل تفرح وتشكر ربها الذي حفظها كما أشكر ربي الذي حفظني فجزاؤها عند ربها عظيم فبالرغم من صعوبات حياتها لم تضعف أو تلين وتنحرف وهناك آخرون لديهن كل متطلباتهن واحتياجاتهن ومع ذلك سقطن في براثن هؤلاء الذئاب, هي لديها دينها وعلمها وثقافتها وفي رأيي أن من لديها دينها فلديها كل شيء ومن كانت بلا دين فلا تمتلك أي شيء, حتي لو كانت تمتلك خزائن الأرض مالا, لهذا عرفت لماذا قال الحبيب المصطفي صلوات الله عليه وسلم: فاظفر بذات الدين فهي التي تتمسك بشرفها في السر والعلن والثراء والفقر والصحة والمرض, فدينها يمنحها عزيمة لا تلين.
وأريد منك أن تذكر هؤلاء الرجال أن للدهر يومين يوم لك ويوم عليك, فكل واحد يعتقد أنه طالما يحمي شرف زوجته وبناته فلا علاقة له بشرف الآخريات فليذهب للجحيم فشرفه هو فقط لا يقدر بمال أما شرف الآخرين فقابل كأي سلعة للشراء والبيع وله ثمن.
* سيدتي.. نشرت رسالتك ليس لما جاء بها ــ فقط ــ من كشف لواقع سييء يحكم علاقة الرجل بالمرأة, خاصة إذا كان في موقع المسئولية, أي هو من يملك التعيين والترقية ومنح ومنع المكافآت.
ولكني حرصت علي نشرها ومناقشة مثل هذه القضية للأسبوع الثاني علي التوالي, بعد أن وصلني العديد من الرسائل من رجال ونساء, يقرون هذا الواقع المخزي ويعترضون عليه. يعترفون أن المرأة هي العنصر الضعيف في معادلة العمل. قليلون أدانوا المرأة وقالوا إنها هي التي تساعد علي إغراء الرجل بقصد تحقيق أهداف وظيفية بإظهار اللين في الكلام, أو بالملابس والعطور المثيرة للغرائز. وقليلون نادوا بعودة المرأة إلي البيت, لأن الرجل ضعيف تتحكم فيه غريزته ولايستطيع المقاومة, ولا أدري بهذا هل هم يدينون الرجل ويصفونه بالحيوانية وعدم قدرته علي الألتزام أم يدينون المرأة وكأن وجودها كله فتنة علينا وأدها حماية لغرائز الرجل المطلقة العنان؟!
أما النسبة الأكبر ــ ياسيدتي ــ من الطرفين, فأدانت تصرفات بعض المسئولين والرؤساء في الأعمال الحكومية والخاصة لأنهم يستغلون حاجة المرأة للعمل, وإنتشار البطالة, في الضغط عليها وابتزازها, مرة باسم الحب, وأخري باسم الزواج السري. ملوحين بالجزرة والعصا, وهي هنا توقيع العقاب أو الخصم من الراتب أو التكليف بأعمال زائدة ومرهقة, وصولا إلي الفصل أوالنقل من العمل.
هذا لايعني أن كل الرجال الرؤساء يفعلون ذلك, ولا كل النساء ضحايا وبريئات, بدليل أن كثيرا من الرجال الشرفاء عرضوا مساعدة صاحبة رسالة الأسبوع الماضي, وبعض السيدات اعترفن بأنهن يدفعن الثمن, لأنه الطريق الأيسر والأسرع للترقي وزيادة الراتب.
سيدتي.. مايحدث يكشف عن أزمة كبيرة في مجتمعاتنا.. فشل في البيت, في العلاقات الزوجية, ضعف في الايمان, وخلل تشريعي نحتاج إليه لتقنين علاقات العمل, وتحديد دور الرئيس وعدم إطلاق يده ليتحول إلي ذئب لايجد من يردعه. نحن نحتاج إلي قانون واضح ومحدد يعرف معني التحرش, ويعاقب علي الإيحاء والنكتة قبل اللمس, ويتيح للمتضررة أن تحمي نفسها بالقانون وتعرف حقوقها جيدا, بلا فضائح. فلو عرف كل رئيس عمل أن هناك قانونا يحاسبه ولا يطلق يده, حتي لو كان هو صاحب العمل, ما جرؤ أحد علي التجاوز أو إبتزاز من يعمل لديه. فمن لم يرد عن ضميره أو خوفه من الله فليكن القانون رادعه, إلي أن يلقي جزاءه يوم الحساب, وإلي لقاء قريب بإذن الله.